فلاسفة عصر
التنوير في اوربا ـ عما نؤيل كنت
عبد
الجبار منديل
بعد فترة
الهيمنة المطلقة للكنيسة على الحياة في اوربا في القرون الوسطى وسيطرة رجال
الكهنوت وعلم اللاهوت على الحياة الفكرية فيها سادت موجة من ردود الفعل المناهضة
لتلك الهيمنة وتعالت الدعوات الى تحرير العقل واعطائه ما يستحقه من منزله في
مواجهة الخرافات والاساطير ابتداء من الفيلسوف الانكليزي فرنسيس بيكون (1632ـ1677)
و الفيلسوف اسبينوزا الذي قال ان العلم وحده هو القوة والحرية ولا فضيلة الا
بالعقل .
ولكن تلك
الثورة الفكرية والتطرف في تمجيد العقل ادت الى وضع العقل في مواجهة الدين وأعلن
البعض بأن العقل قد انتصر على الدين وان العقل لا يؤمن الا بما هو محسوس وملموس
وخاضع للتجربة وبما ان الميتافيزيقا غير ملموسة ولا محسوسة وغير ممكنة الخضوع
للتجربة فأنه لا يمكن الايمان بها .
قام (كنت) بدراسة تلك المسألة وهي العلاقة
بين الدين والعقل . ودعا الى اختبار اهلية العقل الذي نصب نفسه حاكما على اهلية
الدين . وهل العقل معصوم من الخطأ؟ وهل هذا العقل مؤهل لأن يحكم على بطلان الدين
الذي آمن به ملايين من الناس من ملايين السنين ؟ وهكذا جاء (كنت) ووضع العقل في
قفص الاتهام وقام بمحاكمته عن طريق كتابه الشهير (نقد العقل الخالص).
ولد عما
نؤيل كنت في كونسبرج في بروسيا (المانيا)عام 1724 لاسرة فقيرة من اصول اسكتلندية .
كانت امه شديدة التمسك باهداب الدين واقامة الشعائر الدينية بشكل يفوق ماهو متعارف
عليه ولكن هذا التطرف في التدين ادى رد فعل معاكس عندما شب عن الطوق فقد اعتزل
الكنيسة وكفر بعلم اللاهوت .
عاش كنت
مرحلة الشباب في عصر فردريك الكبير ملك بروسيا ذلك العصر الذي كان يتسم بالحرية
الفكرية والتسامح الديني حيث كان تعصف باوربا الافكار التحررية تحت تاثير الفلاسفة
الفرنسيين من امثال فولتيير وجان جاك روسو ودينيس ديدرو صاحب الموسوعة الفلسفية
الشهيرة لذلك فقد اعتنق الافكار التي تدعو الى الحرية الفكرية والانعتاق من رقبة
افكار اللاهوت المتزمتة التي تمنع التفكير الحر وتقوم بالحجر على العقل والفكر .
في عام 1755 بدأ كنت عمله كمحاضر خاص في جامعة كونسبرج وبقي في هذا المنصب خمسة عشر عاما الى ان تم تعيينه استاذا للمنطق والميتافيزيقيا في عام 1770.
في عام 1755 بدأ كنت عمله كمحاضر خاص في جامعة كونسبرج وبقي في هذا المنصب خمسة عشر عاما الى ان تم تعيينه استاذا للمنطق والميتافيزيقيا في عام 1770.
لم يتوقع
احد ان يبدع هذا الاستاذ غير المعروف كثيرا خارج جدران الجامعة نظاما جديدا
للميتافيزيقيا كان له الاثر الكبير في اوربا وهزها هزا قويا . وقال عن الميتافيزيقا بانها محيط مظلم
لا شواطيء له ولا منائر يهتدي بضوئها في خضمه تبعثرت فيه حطام الكثير من السفن
الفلسفية التي عصفت بها امواجه .
تميز هذا
الفيلسوف الضئيل الحجم والذي لا يتجاوز طوله الخمسة اقدام بالاعتدال والانطواء على
نفسه . لقد كان طوال حياته ملتزما بقوة بالنظام والدقة سواء في العمل او في اوقات
الترويح عن النفس . فكان يستيقظ في الصباح فيبدأ بشرب القهوة فالكتابة فالمحاضرة
فالغذاء ثم الخروج من منزله للنزهه وعندما يظهر عمانؤيل كنت بمعطفه الرمادي والعصا
في يده على باب منزله ويبدأ بالسير نحو المتنزه القريب يعرف الجيران ان الساعة
بلغت منتصف الرابعة تماما .
كان
الفيلسوف كنت ضعيف البنيه مما اضطره الى التحفظ كثيرا لوقاية نفسه وكان يعتقد بأن
الوقاية خير من العلاج لهذا فقد عاش ثمانين عاما . كما انه لم يتزوج وبقي عازبا
طوال حياته متفرغا لعمله العلمي والفلسفي وكان يعتقد بأن الزواج سيحول بينه وبين
التفرغ الكامل للبحث عن الحقيقة .
كانت
اعمال كنت تشمل موضوعات شديدة التنوع ابتداء من نظريته في نشأة الكون وفلسفته عن
نقد العقل وانتهاء بفلسفته عن نقد الحكم . وقد استحدث كنت ثورة فلسفية ذلك انه
بدلا من ان يحاول تفسير المفاهيم العقلية على اساس التجربة كما كانت تقول الفلسفة
الانكليزية فأنه شرع في تفسير التجربة على اساس المفاهيم العقلية حيث كان يقيم
توازنا بين الموقف المتطرف للتجريبية الانكليزية من جهة وبين المباديء النظرية
التي قال بها المذهب العقلي الديكارتي من جهة اخرى .
يقول كنت
في كتابه (نقد العقل الخالص)... ان التجربة ليست الميدان الوحيد التي تحدد فهمنا
لذلك فهي لا تقدم لنا حقائق عامه بل تثير عقلنا بدلا من ان تقنعه وترضيه .
فالمعرفة التي تقدمها الرياضيات مثلا مؤكده حتى قبل التجربة . وعقل الانسان ليس لوحا جامدا من الشمع
تكتب عليه الاحاسيس, انه عضو نشيط يسبك الاحاسيس ويحولها الى افكار ويحول ضروب
التجارب الكثيرة غير المنظمة الى وحده من الفكر المنظم والمرتب
.
في كتابه
عن فن التدريس الذي وضعه بعد فترة من عمله في الجامعة خرج كنت باستنتاج بأن على
المدرس ان يوجه قسطا وافرا من عنايته واهتماماته الى التلاميذ من ذوي المقدرة
المتوسطة اذ لاجدوى من مساعدة الاغبياء من التلاميذ والعناية بهم . اما العباقرة
والنوابغ منهم فلا يحتاجون الى مساعدة غيرهم . يقول كنت ان هناك مرحلتان في عملية
تحويل مادة الاحساس الخام الى انتاج الفكر التام .
المرحلة
الاولى هي تنسيق الاحاسيس الآتية من الخارج واضفاء قالب الادراك الحسي وتطبيقه
عليها والثانية هي تنسيق المدركات الحسية المتطورة حتى تخرج منها مدركات عقلية .
فالاحاسيس ليست سوى وعي للدافع او الحافز وهذه الاثار الحسية هي المادة التي تبدأ
بها التجربة وهذا يؤدي الى ادراك ذلك الشيء وبهذا تتحول الاحاسيس الى مدركات اي
تتحول الى معرفة .
ان
التناقض هو المعضلة التي لا حل لها والناجمة عن محاولة العلم تخطي التجربة فمثلا
عندما يحاول العقل ان يقرر فيما اذا كان العالم محدودا ام لا نهائي وقع في تناقض .
فنحن مسوقون الى التصور بأن وراء كل حد من الحدود شيئا ابعد منه وهكذا الى ما
نهايه ومع ذلك فأن اللانهاية في حد ذاتها امر لا يمكن ادراكه . اننا لانستطيع ان
نتصور الازلية التي ليس لها نقطة ابتداء ولكننا لا نستطيع في الوقت نفسه ان نتصور
اية لحظه في الماضي نسميها بدء الزمن اذ لا يسعنا الا ان نتصور بأنه قد كان قبل
تلك اللحظة الاولى شيء .
ثم لو
تسائل العقل هل للعالم عله اولى نشأ عنها اجاب العقل بالايجاب والنفي معا .
فالايجاب لانه لا يستطيع ان يتصور سلسلة لا نهاية لها وبالنفي لانه لا يمكن ان
يتصور عله اولى لا عله لها . وكذلك يقع اللاهوت في المغالطة والاشكال لانه يبرهن
بالعقل النظري على امور غير محسوسة فاساليب العقل النظري يمكن استخدامها لدراسة
التجربة الحسية ولا يمكن تطبيق المدركات العقلية على عالم الظن والحدس . وهكذا
لايمكن البرهان على صحة الميتافيزيقيا بالعقل النظري .
ويقول في
كتابه عن الدين ان قيمة الكنائس والمعتقدات تكون بمقدار ما تعاون الجنس البشري على
التطور والرقي الاخلاقي اما اذا تحول الدين الى مجموعة من المراسيم والطقوس
الشكلية واعتبرها الناس المقياس الذي تقاس به الفضيلة وفضلوها على الناحية
الاخلاقية فأن ذلك له اثر سلبي على الدين .
في عام
1784 نشر كنت شرحا موجزا لنظريته السياسية تحت عنوان (المبدأ الطبيعي للنظام
السياسي ) وقد اعترف في هذا البحث باهمية النزاع بين الفرد والمجتمع وقال انه لا
بد من مزيج بين النزعة الفردية والمنافسة لتساعد في بقاء البشر وتطورهم ويقول انه
لا بد ان نشكر الطبيعة على ما وهبتنا من نزعة فردية والمنافسة لتساعد في بقاء
البشر وتطورهم ادت الى اذكاء روح الغيرة والحسد والزهو والطموح فالطبيعة تريد
التنافر والنزاع والخصام الذي يجبر الانسان على حفز قواه والتطور بمواهبه
وامكانياته تطورا متواصلا .
وتعتبر
مقالة كنت حول (السلام الدائم) ذات اهمية كبيرة في تاريخ الفكر السياسي العالمي .
فقد دعا الى اقامة السلام الدائم في العالم وبين الشعوب وذلك بتسريح الجيوش
القائمة والغائها لانها تستنفذ طاقات الشعوب الاقتصادية باستخدامها بقتل الناس
لبعضها البعض ويقول ان الجيوش تثير المنافسة بين الدول وتدفعها الى زيادة عدد
جنودها الذي لا يقف عند حد وتستخدم في العدوان على الدول الاخرى او احتلالها وهو
في كل الاحوال يرهق المعتدي والمعتدى عليه بالنفقات الباهضة وبالكلفة العالية
بارواح الناس وزيادة ماسيهم .
إيمانويل
كانت
إيمانويل
كانت (بالألمانية: ImmanuelKant) ء[1] (1724 - 1804) (و
قد يكتب «عمانوئل كانط») فيلسوف من القرن الثامن عشر ألماني من بروسيا ومدينة كونغسبرغ. كان آخر فيلسوف مؤثر في أوروبا الحديثة في التسلسل الكلاسيكي لنظرية المعرفة خلال عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين جون لوك، جورج بركلي وديفيد هيوم.
خلق كانت
منظورا واسعا جديدا في الفلسفة أثر في الفلسفة حتى القرن الواحد والعشرين. نشر
أعمالا هامة عن نظرية المعرفة كذلك أعمالا متعلقة بالدين والقانون والتاريخ. واحد
من أكثر أعماله شهرة هو نقد العقل المجرد، الذي هو بحث واستقصاء عن محدوديات وبنية
العقل نفسه. قام ـ الكتاب ـ بهجوم على الميتافيزياء التقليدية ونظرية المعرفة وأجمل مساهمات كانت في هذه المساحات.
الأعمال الرئيسية الأخرى في نضجه أو شيخوخته هي نقد العقل العملي الذي ركز على
الأخلاق، ونقد الحكم الذي استقصى الجمال والغائية.
متابعة
الميتافيزيقا تشمل طرح أسئلة حول حقيقة الطبيعة المطلقة. اقترح كانت أن بالإمكان
إصلاح الميتافيزيقا عن طريق نظرية المعرفة. اقترح أنه بفهم
مصادر وحدود المعرفة الإنسانية يمكننا طرح أسئلة ميتافيزيقية مثمرة. سأل إذا موضوع
ممكن معرفته لخصائص معينة سابقة على الخبرة لذلك الموضوع. انتهى إلى أن كل
الموضوعات التي في متناول الذهن التفكير بها لا بد أن توافق أسلوبها في الفكر.
بناء عليه إذا الذهن يمكن أن يفكر فقط بشروط السببية ـ التي استنتج أنها ممكنة ـ
فباستطاعتنا معرفة السابق على جعلها خبرة ذلك أن كل الموضوعات التي خبرناها يجب أن
تكون إما سببا أو نتيجة. بذلك يخرج من هذا بأن من الممكن أن تكون موضوعات تلك
الطبيعة التي لا يمكن للذهن التفكير بها وهكذا مبدأ السببية ـ كمثال ـ لا يمكن
تطبيقه بمعزل عن الخبرة: لذلك لا يمكننا معرفة ـ مثلا ـ إذا العالم موجود أزلا أو
أن له سببا. وهكذا فالأسئلة العظيمة للميتافيزيقا التأملية لا يمكن أن نجيب عليها
بالذهن الإنساني لكن العلوم ترتكز بقوة على قوانين الذهن.
اعتقد
كانت نفسه بخلق طريق وسط بين التجريبية والعقلانية. اعتقد التجريبيون أن المعرفة
تكتسب بالتجربة وحدها، لكن العقلانيين تمسكوا بأن هذه المعرفة مفتوحة للشك
الديكارتي وأن العقل وحده يدلنا على المعرفة. على أي حال اختلف كانت على أن
استعمال العقل دون تطبيقه على التجربة يقود حتما إلى الوهم. بينما التجربة ستكون ذاتية مجردة دون
الوجود الأول المضمن تحت العقل المجرد.
فكر كانت
كان مؤثرا جدا في ألمانيا أثناء حياته، نقل الفلسفة إلى ما وارء المناظرة بين
العقلانيين والتجريبيين. الفلاسفة فخته، شلنغ، هيغلوشبنهور كلهم رؤوا أنفسهم مصححين وموسعين للنظام
الكانتي، هكذا نشأت نماذج مختلفة من المثالية الألمانية[2]. استمر كانت ليكون مؤثرا أساسيا في الفلسفة فأثر على التحليلية
والفلسفة الأوربية/القارية[3].




1:46:00 ص
يوسف بوستة
في :
0 التعليقات:
إرسال تعليق