3‏/10‏/2013

قراءة نقدية: الاسلام بين الدولة الدينية و المدنية




أولا : من الناحية التاريخية، هناك إتجاهين بارزين:
 ـ الإتجاه الأول: يرى أن الرسول (ص) أسس بالإسلام دولة سياسية و مدنية، بمعنى أن هناك جمع بين الدولة الدينية و الدولة المدنية. على رأس هذا التيار نجد ابن خلدون الذي يقول بأن " الخلافة هي نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين و سياسة الدنيا، شاملة للملك و الملك مندرج تحتها." و يخلص أصحاب هذا الإتجاه إلى أن الحكومة النبوية فيها ما يتطابق مع الحكومة السياسية و ما يشبه السلطة و الملك. و يستدلون على ذلك بعنصر الجهاد، بكونه لم يكن مجرد دعوة إلى الدين و حمل الناس على الإيمان، و إنما كان كذلك غنما و سبيا و تثبيتا للسلطان و توسيعا للملك. في حين أن الدعوة للدين تكون دعوة خالصة إلى الله، خالية من كل مصلحة مادية، على شاكلة دعوى عيسى بن مريم ( ص) " اعطوا لقيصر ما لقيصر و لله ما لله." و استدلوا على هذا، بالآيات القرآنية التالية : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي." و" ادع إلى ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن " و" فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" و " وقل للذين أوتوا الكتاب و الأميين أأسلمتم، فإن أسلموا فقد اهتدوا و إن تولوا فإنما عيك البلاغ و الله بصير بالعباد." و " أفأنت تكره الناس حتى يكونا مؤمنين ". على هذا الأساس فإن أصحاب هذا الإتجاه يرون أن القرآن صريح في كون أن الرسالة النبوية إنما اعتمادها على الإقناع و الوعظ. و بالتالي إذا كان الرسول قد اعتمد القوة و الرهبة، فلا يمكن أن نفهم منه إلا أنه كان في سبيل تكوين حكومة إسلامية.

 ـ الإتجاه الثاني : يفرق بين ولاية الرسول و ولاية الحكم. و بين حكم النبوة و حكم السلطان. فولاية الرسول هي ولاية روحية منشأها القلب، و الجوارح دائرة في فلكها. أما ولاية الحاكم فهي ولاية مادية تطول القالب دون القلب. و أشخاص الناس لا إيمانهم و معتقدهم. فولاية الرسول هي هداية الناس إلى الله، في حين أن ولاية الحاكم هي ولاية تدبير الشأن العام لهؤلاء الناس. و يخلصون من ذلك إلى أن الإسلام و حدة دينية و أن المسلمين هم جماعة واحدة. و أن الجهاد كان وسيلة الرسول للدفاع عن هذه الوحدة حتى جاء نصر الله و الفتح. و أن الرسول ( ص ) قد خلت من قبله الرسل، و لم يكن لا جبارا و لا مسيطرا، و لا حفيظا على الناس و لا و كيلا. و هي الأدوات اللازمة و الضرورية للحكم و الملك. " و ما جعلناك عليهم حفيظا ولا أنت عليهم بوكيل". و بانتفاء و كالة الرسول ( ص ) على الناس، بدليل القرآن، ينتفي معه مسوغ الرئاسة و الملك، و يبقى وحده حق الرسالة.
ثانيا : من الناحية الواقعية. أما من الناحية الواقعية و التطبيقية، فمن الصعب الإحاطة بالموضوع في مثل هذه العجالة، لذا سنكتفي بإثارة بعض التساؤلات التي من شأنها إضاءة بعض الجوانب الغامضة في الموضوع. انطلاقا من الواقع المرصود و المعاش فإن العنصر " التبليغي " واضح و جلي في الرسالة المحمدية بالإجماع. في حين أن الجانب " التطبيقي " يفتقد للجانب المعرفي الموضوعي لتحديد حقيقة و حجم انتمائه. لذا أبدأ بإثارة التساؤلات التالية:

 ـ 1 ـ حينما نتكلم عن البعد التطبيقي، نقصد به العنصر السياسي في المعادلة، أي ما يسمى ب"السلطة السياسية". و هذا يفرض علينا إثارة الملاحظة التالية. بالرجوع إلى القرآن الكريم و السنة النبوية، و خلال 23 سنة من الممارسة الفعلية و الميدانية للدعوة الإسلامية و في جو مشحون بالسياسة و مآمراتها بين الفرس و الروم في الخارج و بين مناورات اليهود و القبائل في الداخل. وإلى أن أتم الله نعمته على الناس و رضي لهم الإسلام دينا، لم نصادف ـ و لو مرة واحدة ـ كلمة " ســيــاســة " لا في الخطاب القرآني و لا في الخطاب النبوي. مما يدفعنا للتساؤل هل أن تعبير " السياسة " كان غائبا عن قاموس اللغة العربية إبانها.؟ و هل مفهوم " السياسة " كان غير مفعل في المجتمع العربي الإسلامي؟
 ـ من الناحية التاريخية: فإن الدعوة المحمدية عاصرت أهم المناورات السياسية في الداخل و الخارج. كما أن مولد الرسول (ص) نفسه عاصر أكبر حدث سياسي و هو محاولة تغيير مقر الكعبة من الجزيرة العربية إلى الحبشة، في إطار منظور استراتيجي اقتصادي. ناهيك عن التراث الفكري اليوناني و الإغريقي المتشبع بالمفاهيم السياسية و الذي لم يكن يخفى على أحد.

 ـ من الناحية المعرفية : إن كلمة " السياسة" كانت معروفة و سائدة منذ العصر الجاهلي. فالشاعر ثعلب يقول: سادة قادة لكل جمع ----- ساسة الرجال يوم القتال. و يقول الشاعر الحطـيـئـــــة : لقد سوست أمر بنيك حتى ------تركتهم أدق من الطحين. كما روي عن النبي (ص) أنه قال: " كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم. إذا ف" السياسة " تعبيرا و مفهوما، كانت موجودة و معروفة. و يبقى التساؤل المهم هو لماذا نبذ كل من القرآن و السنة تعبير " السياسة "؟

ربما ـ في رأينا الخاص ـ يرجع ذلك لما يلي : إذا كانت السياسة في مفهومها العلمي هي القدرة على اتخاد الوسائل التي تحقق الأهداف. و في مفهومها العملي التطبيقي، طبقا للتعريف الأفلاطوني هي " الغاية تبرر الوسيلة " مهما كانت دنيئة و غير شرعية. فبالتأكيد أن القرآن العظيم و النبي الكريم أعرضا عن كلمة " السياسة " مفهوما و تعبيرا لأن الشريعة الإسلامية لا تدعوا إلى تحقيق أية أهداف بأية وسائل. و إنما جاءت لتنقي القلوب و تسمو بالعقول و تحقق الغايات النبيلة بالوسائل الرفيعة.

 ـ 2 ـ في مفهوم الدولة: باستقراء كل المراجع الأساسية في الإسلام، و على رأسها القرآ و السنة، لا نجد أي ذكر صريح لمفهوم " دولة إسلامية ". أو شكل معين و محدد لمفهوم " الخلافة ". و بالرجوع إلى إلى الآية الكريمة الخاتمة للدعوى الإسلامية، نقرأ قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ". فهذه الآية صريحة بكون أن الذي كمل و اكتمل هو الإسلام كدين لا كنظام سياسي. و أن الذي ارتضاه الله لنا هو الإسلام كدين لا كأيديولوجية. و نظرا لما يمكن أن تثيره وجهة نظرنا من تشنج لدى الفكر الردكالي، سأثير تساؤلا على الهامش، أتمنى أن يجاب عليه قبل أي انفعال أو جواب متسرع. أليس الله عز و جل هو القائل " ما فرطنا في الكتاب من شيىء ". فلماذا إذا لا نجد في القرآن الكريم أي تنظيم أو تخطيط أو حتى اقتراح ل " دولة إسلامية " ؟ و لا أي ذكر أو تحديد لشكل معين لنظام " الخلافة ".؟ فالتفريط في التنصيص على ذلك ـ حاشا الله ـ أن يكون سهوا أو نسيانا. و إذا كان في علمه المسبق، عز و علا، إنشاء دولة إسلامية حاصل بالضرورة، كيف يفرط في ضبط أمرها و إرساء قواعدها، و يترك الأمة تختلف بشأنها و تقتتل بسببها.؟ و لماذا السنة النبوية لم تتدارك ذلك، طيلة 23 سنة من الوحي و الدعوة و التطرق لكل كبيرة و صغيرة في حياة المسلمين.؟ و لماذا الرسول (ص) في حجة الوداع ـ و قد شعر بانتهاء مهمته ـ أكد و بإلحاح على التمسك بالدين ( القرآن و السنة ) ولم يشر على المسلمين بنمط معين للحكم أو الخلافة، ولم يعين خليفة لخلافته.؟

القران الكريم

المتواجدون الآن

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م