3‏/11‏/2013

هكذا تكلم عمانوئيل كانت – مشروع السلام السرمدي

             هكذا تكلم عمانوئيل كانت – مشروع السلام السرمدي
عبدالكريم صالح المحسن

يرتبط اسم الفيلسوف الألماني "عمانوئيل كانت "، الذي يعتبره البعض بمثابة أكبر فيلسوف عرفته أوروبا منذ قرنين على الأقل، ارتباطا وثيقاً بندائه الشهير الذي استهله بعبارة "أعملوا عقولكم أيها البشر."، التي يعد من أهم شعارات حركة التنوير الأوروبية التي أعادت الاعتبار إلى سلطة العقل وأوليته، علاوة على تأكيدها على ضرورة احترام فردية كل إنسان واستثمار تنوع المواهب البشرية بعيداً عن الإرث الجماعي التقليدي. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الصيحة الكانتية عبرت بشكل واضح عن النقلة النوعية التي شهدتها أوروبا آنذاك في القرن الثامن عشر في عصر التنوير. وعلى هذا النحو ساهم كانط في تبديد غياهب ظلام العصور الوسطي المحيطة بالعقول.

ولد كانت في مدينة" كونيغ سبيرغ "في شمال ألمانيا التي تعد اليوم جزءاً من روسيا يوم 22 نيسان/أبريل من عام 1724م ولم يغادرها حتى مماته في عام 1804م ،وهو من عائلة فقيرة، وتعرف على مكارم الأخلاق منذ نعومة أظفاره عن طريق والدته، الشيء الذي ترك تأثيراً كبيراً في كتاباته ورؤيته للعالم فيما بعد. وحصل هذا الفتي اليافع على شهادة الدكتوراه في الفلسفة ليصبح فيما بعد أستاذاً في الجامعة. ثم انخرط في مطالعات فكرية مكثفة شملت" نيوتن" و"هيوم" وبالأخص الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" الذي وضعته أعماله على الطريق الصحيح، لأن "روسو" ركز على أولية الأخلاق ووضعها في مرتبة تفوق العلم والدين. ثم تدرج كانط في المناصب الجامعية حتى أصبح عميداً لجامعته بين عامي 1786م و 1788م. وفي أثناء ذلك نشر أهم المؤلفات الفلسفية في عصره كنقد العقل الخالص، ونقد العقل العملي.

أجاب عمانوئيل كانت عن السؤال الجوهري الذي يستكشف ماهية عصر التنوير بقوله:" إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد." كما عرَّف القصور العقلي على أنه "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا." ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: "اعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر. فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها. لكن كانط لم يفهم التنوير نقيضاً للإيمان أو للاعتقاد الديني، وإنما شدد على أن "حدود العقل تبتدئ حدود الإيمان". كما حذر من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين كما حصل في دولة بروسيا لاحقاً.

كثيراَ ما يُنظر إلى فلسفة "كانط "بوصفها اسهاما حاسما في صياغة الفلسفة الأخلاقية. إنها "ذات جدارة"، على حد تعبير كانط نفسه، وهذه الجدارة هائلة، فالفيلسوف الألماني ما انفك يتفكر في هوان الكائن الإنساني وفي عظمته. وقد حاول، بأكثر ما يكون من النزاهة الفكرية، أن يتفهم، في آن معاَ، النزوع الطبيعي إلى الشر و"الاستعداد الرائع للخير" اللذين يتقاسمان قلب الإنسان وقد أكد أكثر من أي فيلسوف آخر، أن إنسانية الإنسان جديرة بالاحترام لأن "الإنسانية نفسها هي كرامة" وبصرامة فكرية قصوى، بين ان أعمق فرائض الإنسان هي احترام "كرامة الإنسانية في شخصه هو"، وفي الآن نفسه، الاعتراف بـ"كرامة الإنسانية في كل إنسان آخر".

غير أن مدار حديثي بالطبع ليس الادعاء بأن" كانت " قد بسط، من حيث لا يدري، فلسفةً في اللاعنف – فهو يجهل مفهوم اللاعنف. لكن من المشروع قطعاَ الاستناد إلى عبارات " كانت " نفسها لطرح تعريف بالعنف بوصفه "انتهاك المرء للإنسانية في شخصه هو" وفي شخص الإنسان الآخر، واعتبارًا من ذلك، التعريف بمفهوم اللاعنف بوصفه احترام المرء الأنسانية في شخصه هو وفي شخص الإنسان الآخر على حد سواء. سوف أقتبس من كانت إذن مادة فكرية لبناء تفكيري أنا بقصد مقاربة فلسفة اللاعنف التي يبدو لي أنها تعبر خير التعبير عن حقيقة إنسانية الإنسان،لن أقول" كانت " ما لم يقل، لكني سوف أقول ما لم يقل، مقتبسًا منه عناصر معينة من تفكُّره لتغذية تفكُّري الشخصي. ولسوف أختار هذه المواد بكل حرية: أي أنني، مستبقياَ بعضها، سوف أستبعد في الوقت نفسه بعضها الآخر مما يبدو لي غير قابل للاستعمال، من غير أن أصرف وقتاَ في تبرير خياري، غير سالك طريق عرض فكره وتحليله نفدياَ لأن هذه المقاربة أطول بكثير مما ينبغي.

بلور كانط مفهوما جديداً من نوعه لطبيعة العلاقات بين الدول على أرضية تقوم على القانون الدولي، كما سعى إلى إقامة السلام الدائم بين الشعوب عن طريق عدم اتخاذ الإنسان وسيلة وإنما دائماً غاية، وهو ما يعني إحترام الكرامة الإنسانية لدى الآخر بأي شكل كان. وانطلاقا من هذا المفهوم الذي يرى أن تحقيق السلام لن يتم إلا عبر تغيير الإنسان وتربيته أخلاقياً بهدف جعل الحرب أمراً مستحيلاً. يذكر أن هذه النظريات الفكرية المثالية أدت لاحقاً إلى تشكيل عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى من أجل حل الصراعات بين الدول على أساس القانون الدولي. وفي النهاية أدت أطروحاته التي لم تفقد أهميتها حتى الوقت الحاضر إلى تطوير عصبة الأمم لتتحول إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

خلق الانسان وهو ينشد السلام وينبذ الحرب ففي السلام تحرير لمستقبل البشرية،وان فكرة السلام هي فكره ليست بالجديده انها من اقدم الافكار فقد اتجه اليها حكماء العصور الغابرة وحمل لوائها الفلاسفة الكبار منذ القرن الثالث قبل الميلاد حين حثوا الانسانية على ان تحرر نفسها من ادران التفرقة التفرقة بين الانسان واخيه الانسان وعدم الاكتراث لمسببات تلك التفرقة من لغات واديان وقوميات وأوطان فقد نظروا الى الناس جميعاَ وكأنهم أسرة واحدة"قانونها العقل ودستورها الاخلاق"فقد ولج اغوار هذه الفكرة العديد من الفلاسفة امثال الفيلسوف المسلم الفارابي في كتابه "اراء اهل المدينة الفاضلة "منذ القرن العاشر الميلادي حتى اذا كان القرن الثامن عشر في اوربا وضع " الاب دوسان بيير"1658م-1743م

مشروعاَ لأقامة حلف دائم من جميع الدول المسيحية القصد منه ان يضمن لكل دولة من الدول المتعاقدة سلامة اراضيها و"حماية اوربا من اي اعتداء جديد تقوم دول الاسلام" غير ان الفيلسوف الالماني "عمانوئيل كانت" كان من اكثر الفلاسفة اهتماماَ بموضوع السلم وهو واضع الاصطلاح الالماني "فولكربوند" الذي اطلق بعد موته بنحو قرن وربع على "عصبة الامم" وهو من اساتذة الفكر الانساني ومن اكبر الفلاسفة الاخلاقيين في العصور الحديثة ولنا ان نتصور ان الرئيس الامريكي "ويلسون " الداعي الى انشاء عصبة الامم كان يحتفظ لقرائته اليومية بكتاب "مشروع السلام الدائم" الذي كتبه "كانت"،في مشروع السلام الدائم او السلام الابدي اعلن "عمانوئيل كانت " فيه ان انشاء "حلف بين الشعوب"على اعتبار انه السبيل الوحيد لتجنب شرور الحروب وويلاتها،في كتابه "فروض عن بداية تاريخ الانسانية"الذي كتبه" كانت "في العام 1786م قبل ان يكتب "مشروع السلام الدائم"يقول فيه:"ان اكبر شر يصيب الشعوب المتمدنه ناشيء عن الحرب،لابمعنى الحرب الحاضره او الماضية بل بمعنى دوام الاستعداد للحرب القادمة"وقد سلم مع ذلك بأن الخوف من الحرب قد يكون في طور بسيط من اطور المدنية ومن امتن الضمانات لصوت الحرية ودفع الاستبداد لأن المستبدين انفسهم لايستطيعون ان يستغنوا عن الثروه القومية التي لاتنموا الا في ظل السلم والحرية.

ومن هنا لابد ان نشير الى ان مشروع السلام الدائم يعتبر بمثابة التطبيق العملي للنظرية السياسية التي وضعها في كتابه الشهير "الاصول الميتافيزيقية لفلسفة الحق "وهو ماعبر عنه بشكل واضح في خاتمة هذا الكتاب الذي صدر في العام 1797م "قبل سنتين من وفاته" حيث يقول:"ان العقل العملي مناقبياَ يواجهنا بالخطر الاتي الذي لامهادنه فيه :يجب الا تقوم حرب البته،لا بينك وبيني،في الحال الطبيعية ولا بيننا كدول مبنية،داخلياَ،على اسس شرعية في ماهي حرة خارجياَ من اي ارتهان من حيث علاقاتها المتبادله اي ان المسأله لم تعد مسألة معرفة ما اذا كان السلام الدائم واقعاَ حقيقيا او تصوراَ فارغاَ،وما اذا كنا لسنا على خطأ في حكمنا النظري انما ينبغي ان نعمل كما لوكان السلام الذي ربما لن يتحقق قابلاَ للتنفيذ وان نعمد سعياَ وراء هذه الغاية الى اقامة نظام دستوري "ربما النظام الجمهوري الشامل جميع الدول معاَ،والمطبق في كل منها على حدة"هذا الدستور الذي يبدو لنا انسب مايكون لبلوغ الهدف المنشود وافعل مايكون في انهاء هذه الحروب القذرة التي مافتئت جميع الدول من دون اشتثناء حتى الان تحشد مؤسساتها الداخلية باتجاهها كما لوكانت هي الغاية السمى أما اذا كنا لا نستطيع بلوغ هدف السلام الدائم واذا كان السلام يظل بالنسبة الينا مجرد امنية غالية فعلى الاقل لن نخطيء فقط اذا اتخذنا كمبدأ لنا ان نصبو اليه بدون كلل لان هذا هو الواجب ".

ان موضوع السلام الدائم والشامل لايؤلف جزءاَ من غاية الحق النهائية فقط انما يمثل هذه الغاية باكملها اذا مانظرنا الى الامر من زاوية العقل وحده بالفعل لاتوجد حال سليمة الا الحال التي يكون فيها مايخصني وما يخصك مضمونيين قانونياَ في كنف مجموعة كبيرة من الناس يعيشون متجاورين وبالتالي متحدين في ظل كيان دستوري على ان معيار مثل هذا الدستور لايمكن ان يتأتى من تجربة اولئك الذين يكونون قد حققوا مكاسب ذاتية لهم من هذه التجربة حتى الان وقدموها بمثابة انموذج للأخرين انما يجب ان يستمد المعيار المعني عامة بصوره قبلية بواسطة العقل من المثال الاعلى المتوخى من الشراكة القانونية التي يؤلفها الناس في ظل قوانيين عامة اذاَ هل ثمة من شيء يمكن ان يكون اسمى من هذه الفكرة بالذات من الناحية الميتافيزيقية علما ان هذه الفكره تتمتع بالواقعية الموضوعية التي لا يرقى اليها اي شك فهذه الفكره هي وحدها التي تستطيع ايصال البشر الى السلام الابدي لتها تقربهم باستمرار من الخير السياسي الأسمى .

ان اول نص فلسفي تظهر فيه فكرة جمعية الامم بالتحديد من حيث روح هذه الجمعية او من حيث نصوص دستورها علماَ ان فكرة جمعية الامم تعني في جوهرها "تاسيس مجتمع مدني يشرف على تطبيق النظام الحقوقي العالمي" فيقول :"ليكن قلب الانسان ماشئتم ان يكون فما يعنينا هو معرفة ايهما الحال الطبيعية ام الحال الاجتماعية هي التي تفوق الاخرى في التسبب بالنقائض والجرائم او في خلق الاستعداد لها لدى الاشخاص ،قليلة هي التجارب المفسده التي يتعرض لها الانسان وقت يكون عائشاَ في بساطة الحال الطبيعية انما الترف حصراَ هو الذي يولد المفاسد لذا اقول ابعدوا المؤثرات السيئة الخارجية التي تصيب الطأنينة والامان بتغيير اخر تتوسل الطبيعة الحروب والشقاء الذي تحدثه الاسلحة داخل الدول ،أبان فترة السلام بالذات فتدفع بالناس الى القيام بمحاولات يعتريها الكثير من النقص في البداية ثم بعد عمليات لاحصر لها من اعمال التخريب والانقلابات نبل احياناَ بعد استنفاذ جميع القوى الداخلية تدفع الطبيعة بالناس الى الهدف الذي كان بمقدور العقل ان يوصلهم اليه لو اصغوا الى ندائه من دون ان يتكبدوا هذا القدر من التجارب المشؤومه والهدف المعني هو الخروج من حال الفوضى التي تكتنف حياة المتوحشين والانضواء في نظام جمعية الامم حيث كل دولة حتى الصغيرة جدا منها تجد امانها وحقوقها مضمونه لابواسطة قدرتها الخاصة او بفعل تشريعاتها الذاتية ،انما بفضل هذه الجمعية الكبيرة من الامم اي بفضل القدرة المشتركة وبفعل القرارات المتخذه وفق التشريع المشترك للدول المتعاضدة، وفق هذا النظام ترى الدول نفسها مرغمه على القيام بما ينفر المتوحش نفسه ،بالغة مابلغت درجة نفورها اعني وجوب التخلي عن نوع من الحرية هي حرية المتوحش ،والبحث عن المأنينه والامان في كنف نظام دستوري قانوني الصفة ".

ان مشروع السلام الدائم تضمن ست بنود ومباديء بقصد اقامة السلام الدائم بين الدول وهي اولاَ:"ينبغي الا تعتبر اية معاهدة صلح على انها كذلك اذا ماكان اطرافها قد احتفظوا ضمناَ اللجوء الى حرب جديده"وثانياَ:""لايسوغ لأي دولة مستقله ضغرت ام كبرت فهذا لاشأن له في هذا المجال ان تستحوذ على دولة اخرى لا بالميراث ولا بالمبادلة ولا بالشراء ولا بالهبة"وثالثاَ:"يجب ان تزول الجيوش النظامية كلياَ مع الوقت"رابعاَ:"لايحق للدولة اعتماد الاقتراض لتمويل نزاعاتها الخارجية"خامساَ:"لايحق لي دولة من الدول ان تتدخل بالقوة في دستور دولة اخرى ونظام حكمها"،سادساَ:"لايحق لي دولة في حال حرب مع دولة اخرى ان تسمح لنفسها باعمال عدائية من النوع الذي يجعل الثقة مستحيلة بينهما بعد استتباب السلام،من هذه الاعمال مثلاَ استخدام عناصر تقوم بالاغتيال او التسميم او انتهاك حقوق الاستسلام او التحريض على الخيانه في الدولة المتحاربة".

لابد ان تخضع امور السياسة لقانون الاخلاق وان نصغي الى صوت الضمير والى مافي الطبيعة والتاريخ من توجيهات تدعونا الى ان نبذل قصارى جهدنا لتحقيق الغاية العليا للكون ،كما تدعونا الى ان نؤمن بأن العناية الالهية سوف تتم ذلك الائتلاف المأمول بين الفضيلة والسعادة .

من الثابت ان الاخلاق تشكل بحد ذاتها علماَ عملياَ بالمعنى الموضوعي لهذه الكلمة من حيث هي مجموعة من القوانيين المطلقة التي تفرض علينا مايجب فعله وانه بديهي القول بلا معقولية محاولة المرء ان يسبغ على فكرة الواجب هذه السلطان الذي تستحقه قصد التمكن في مابعد من الزعم ان المرء لايستطيع القيام بمايتوجب عليه اذ لوكان الامر كذلك لاقتضى نفي فكرة الواجب بالذات من الشرعه الاخلاقية لذا لايمكن حصول نزاع بين السياسه من حيث هي ممارسة تقوم على تطبيق الحق والاخلاق من حيث ان الاخلاق هي القوام النظري للسياسة "وبالتالي ليس ثمة نزاع بين النظرية والممارسه"اللهم الا اذا قصرنا مفهوم الاخلاق على عقيدة عامة تدعو الى الفطنه الحذره اي تقول بنظرية اعتماد المباديء التي ترشد الى انجع الوسائل في تأمين المصلحة والمنفعه الشخصية الامر الذي من شأنه ان ينفي عموماَ وجود قضية الاخلاق.

تقول السياسة "كونوا حكماء كالحيات "وتضيف الاخلاق "كشرط مقيد ""وودعاء كالحمام"،اذا كانت هاتان النظرتان عاجزتين عن التعايش ضمن الفكره الواحده فذلك لوجود نزاع حقيقي بين السياسه ةالاخلاق اما اذا كانت الضروره تحتم اجتماع الامرين معاَ ،فتصبح فكرة العكس عندئذ محالاَ، ولن يعود ثمة مجال لطرح مسألة كيف يمكن وضع حد لهذا الصدام على انها معضلة،وبالرغم من ان المقوله التالية "الاستقامة هي السياسه الفضلى " تتضمن نظرية غالباَ ماتناقضها الممارسه ،فان المقوله الاخرى التالية وهي ايضاَ مقوله نظرية "الاستقامه افضل من اي سياسه"تعلو بما لايقاس على اي اعتراض،انها الشرط المطلق لصلاح السياسه بالذات فان" آله الاخلاق" لايتراجع امام جوبيتر "آله القوه " لأن هذا الاخير هو نفسه خاضع للقدر اي ان العقل لايتمتع بالمعرفه الكافيه التي من شأنها ان تتيح له التنبؤ الاكيد بالنتائج الايجابية او السلبية المترتبه على الفعل الذي يقوم به البشر او على تمنعهم عن القيام بالفعل وهي نتائج تتوقف على تأثير او الية الطبيعة "على الرغم من كون البشر يأملون ان تأتي النتائج المعنية منسجمه مع امانيهم "لكن العقل لايقصر قط في تزويدنا بالارشادات الضرورية للنجاح في تحقيق مانعتزم القيام به الا اذا كنا عازمين على المثابره في اتباع طريق الواجب،وبالتالي لايتوانى عن ارشادنا الى هدفنا النهائي.

الا ان رجل الممارسه "الذي يعتبر الاخلاق مجرد نظرية" يبني رفضه المخزن لرجائنا المتفائل "مع موافقته على مفهوم مايجب وما يستطاع"على كون الطبع الانساني هو حسب رايه مفطور على الا يريد ابداَ ماهو ضروري لبلوغ الهدف المتمثل في السلام الدائم لاشك ان بلوغ الهدف المعني لا يتم للبشر بمجرد كونهم جميعاَ يريدون كل من جهته ان يعيشوا تبع مباديء الحرية في كنف نظام شرعي "اي لايكفي وجود الوحدة التوزيعية او ارادة الجميع"بل يتوجب عليهم ان يريدوا معاَ هذه الحال "اي ان تتوافر لديهم الوحده الاجتماعية المتمثله في الارادات المتحدة"ان حل هذه المشكله الصعبه مطلوب ايضاَ من اجل اقامة المجتمع المدني الذي يجمع البشر وبما ان هذه الارادات الفرديه المختلفه لدى الجميع تستلزم وجود سبب قادر على توحيدها لصهرها في ارادة واحده مشتركة ،وهذا عمل لاتستطيع اي ارادة ان تقوم به،لم يعد بوسعنا ان نأمل لتحقيق هذه الفكره عملياَ ان تبادر الدوله القانونية بغير طريقة القوة التي يبني عليها لاحقاَ الحق العام وبالتالي لابد ان نتوقع سلفاَ رؤية التجربه الواقعية تنحرف انحرافاَ واسعاَ عن هذه الفكره النظرية "اذ لايمكن الوثوق بأن الشعور الاخلاقي لدى المشرع يكفي لجعله يوكل الى الجماهير المتوحشه بعد انتظامها في شعب موحد مهمة ارساء الارادة العامة على دستور قانوني ،يعني ماتقدم قوله ان من يمسك بمقاليد السلطه لن يقبل بان يملي الشعب القوانيين عليه ،فالدوله التي تكون قد رفعت عن كاهلها كل قانوني اجنبي لن تقبل الامتثال لمحكمة الدول الاخرى في مسألة تحديد الطريقة التي تعتمدها للدفاع عن حقها بوجههم ولو افترضنا ان جزءاَ من العالم يشعر بتفوقه على جزء اخر منه فلن يفوت على نفسه فرصة توسيع هيمنته بالاستيلاء على الجزء الاضعف او اخضلعه لسلطانه، ولو كان الجزء الاضعف المعني لايضايقه في شيء وهكذا تتناثر جميع مخططاتنا النظرية المبنية على الحق المدني وعلى حق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى الحق العالمي،كأضغاث احلام اما الممارسه العملية المبنية على المباديء المستمده من اختبار الطبع البشري وملاحظة توجهاته،هذه الخبره التي لاتستهين بالعبره المقتبسه من حركة الواقع في العالم ،بل تستعير منها ماترسي عليه مبادئها فهي وحدها التي تستطيع ان تأمل الفوز بأساس متين تقيم عليه فطنتها السياسية.

يستمر " كانت "في فكرة التناظر بين الافراد والامم لينتهي الى ان يقرر للأمم"الدول"ماقرر للأفراد من تجمع على هيئة دولة او امه لوجود حالة الطبيعة بين الشعوب وكذلك حالى الطبيعة بين الافراد وبالتالي الدخول في حالة مدنية والانضواء تحت قوانيين سياسية كونية الا ان هذه القوانيين لن تكون لها قيمة نهائية الا في اتحاد كلي بين الدول اي يناظر الاتحاد الذي يصير به الشعب دولة هذا الاتحاد الكلي يؤدي في النهاية الى تكوين عصبة الامم.

ان الايمان بالتقدم سواءاَ من الناحية التاريخية الكونية الافضل والارقى او من ناحية انتصار المثل الاخلاقية وقوى الخير في العالم لاينتج الا من ظهور شرعي لفكرة الحق لقد شهد المجتمع حدث مهم من هذا النوع وهو الثورة الفرنسية في العام 1789م الا ان " كانت "يدين تطرفها رغم انها حسب اعتقاده ايقظت في روح الشعب حماساَ نقياَ وتفاؤل بقرب سيادة القانون وسعادة البشر وبالنتيجة استئصال الزعه العسكرية ونزع السلاح وايقاف الحروب هذه الاخيره التي تعد اكبر مانع امام التقدم الخلقي ،واذا كانت الحرب هي النتيجة الطبيعية للتعصب والقهر والسيطره فان هدف " كانت "هو اخذ الانسانية الى غايتها الكونية وهي تحقيق سلام كوني ابدي وهو سلام بمثابة ثمرة للنهج القانوني وانتقال تدريجي من الحالة الطبيعية الى الحالة القانونية على صعيد الدوله الداخلي اولاَ ثم على صعيد العلاقات بين الدول ،ان السلام فيما يقول " كانت ""الذي ينبغي ان يعقب مايسمى خطأ حتى الان بمعاهدات الصلح ليس فكره جوفاء انما هو مهمه تتحقق تدريجياَ وتقترب من غايتها بخطى واثقة مستمرة،والحقيقة ان مايجعل " كانت "يؤسس للسلام الكوني الابدي هو تقدم التاريخ نحو الافضل ولكن ليس كباقي الفلاسفة الذين ينظرون اليه كحتمية وانما لن " كانت "يربط هذا التقدم التاريخي بالتقدم الاخلاقي.

ان " كانت " لم يحسم هذه المسأله ضمن مقال عام 1796م الا اننا نجد الاجابة عن من يكون مسؤولاَ على السلام الكوني في احد هوامش كتاب "نزاع الكليات"في عام 1798م في تعليقاته على يوطوبيات القلاسفة لقد تم اخراج "اطلنطا افلاطون" و"يوطوبيا مور " و"اقيانوس هارينغتون"و"سفير انبيا آلاس"اخراجاَ مسرحياَ لكن لم يحدث ابداَ القيام بمحاولات تحقيقها ذلك ان املنا وتفكيرنا في ظهور كيان سياسي فاضل مهما كان الامر متاخراَ مثلما نفكر بذلك هو حلم لذيذ ومع ذلك ان نقترب من ذلك اكثر فأكثر ليس فقط امراَ قابلاَ للتفكير من جهة ان ذلك يتطابق مع القانون الاخلاقي وانما هو واجب لكنه لايخص المواطنين فقط بل يخص قادة الدول " كانت "يحدد للفلاسفة مالهم وللساسة ماعليهم حيث نرى ان " كانت "لاينساق مع افلاطون في دعوة هذا الخير الى ان يكون الفلاسفة حكاماَ او الحكام فلاسفة وكل مايطلبه من الحكام الا يكتموا اصوات الفلاسفة بل يتركونهم يبدون ارائهم بحرية خصوصاَ وانه لاخطر على الحكام من الفلاسفة لانهم لايؤلفون احزاباَ ولا جمعيات ولانوادي سياسية ،فأن للفلاسفة حق التفكير في السلام الكوني وعلى قادة الدول واجب العمل على الاقتراب منه اكثر فأكثر ،لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الخصوص هو ماهي الاليات التي تمكننا من تحقيق سلام كوني ابدي او على الاقل التمهيد له؟ان ميثاق السلام العالمي لايؤلف جزءاَ من نظرية الحق فقط بل هو الغاية النهائية باسرها النظرية الحق ذلك ان حالة السلام هي الحالة الوحيدة التي فيها ماهو لي وماهو لك اي حالة قانونية يسودها سلام ونظام وهذا الاخير لايمكن ان يستمد من تجربة اولئك الذين رضوا به حتى ذلك الحين كمعيار لسائر الناس بل يجب ان يستنبط قبليا بواسطة العقل من المثل الاعلى لتجمع قانوني للناستحت قوانيين عامة.

والحقيقة ان كل الامثلة لاتستطيع الا ان توضح لا ان تثبت ولئن كان من المستحيل للوهله الاولى تحقيق فكرة السلام الكوني فانه من الممكن الوصول اليها باصلاح غير مشعور به يتم تبعاَ لمباديء راسخه تقودنا دائماَ الى هذا الحيز الاسمى في ميدان السياسة ونعني به السلام الدائم بين جميع الدول والشعوب في هذا العالم.

إن الأمر يتعلق عنده بمشروع دستور كوني هدفه السلم الدائمة أو ما يسميه "الدولة الكسموسياسية". وهو الأمر الذي ينتهي إليه "كانط "في خاتمة مذهب الحق قائلا : " إن هذا الدستور الكوني والدائم للسلم . يمثل الغاية الأساسية التامة لمذهب في الحق في حدود مجرد العقل ". لكن أي سلم دائمة ممكنة بين بشر لا يشهد تاريخهم، في نظر "كانط "على " غير نسيج من الجنون وأحيانا. خبث وتعطش إلى التدمير الرهيب ". وأي سلم دائمة ممكنة بين بشر " ليست حالة الطبيعة لديهم. سوى حالة حرب، إن لم تكن مفتوحة فهي على الأقل مستعدة دوما للاشتعال ".

يفتتح كانط مشروعه في السلم الدائمة على عنوان يعتبره قولا هجائيا، نحته بحسب رواية " كانت " فندقي هولندي على واجهة محلة الذي رسم عليه مقبرة. هذا القول هو " نحو سلم أبدية ". وكأننا بكانط يستلف هذا الشعار من مجاز المقبرة إلى مشروع السلم داخل المدينة ومن أبد الموتى الساكن إلى ديمومة الزمن البشري الصائر إن شعار " نحو السلم الأبدية " الذي انطلق منه اشتغال " كانت " على فكرة سلم أبدية في أفق المواطنة الكونية، هو قول قد يكون كانت قد التقطه من بعض رسائل "ليبنتز "التي يقول فيها : " لقد عثرت على بعض من مشروع السيد "دي سان بيار "من أجل إقامة سلم دائمة في أوروبا. أنني أستحضر شعار مقبرة في عبارات " سلم دائمة" ذلك أن الأموات لا يقتتلون أبدا، في حين أن الأحياء من مزاج مخالف" .

فالسلم لدى " كانت "لم يكن مجرد شعار يرمز إلى لهو المقهى أو صمت المقبرة، إنما هو امكان بشري لمجتمع مدني قائم على دولة الحق" الكسموسياسي "وعلى امكان تهذيب للإنسان بغاية ارتقاءه إلى مقام المواطنة الكونية. فالسلم في السياق "الكانتي" لم تعد موضوع سخرية الفيلسوف إنما تكون هدف كل دولة وغاية كل اجتماع بشري والمعنى الأخير لكل المدن الفاضلة التي حدث عنها الفلاسفة جميعا. إن المدينة التي يشتغل عليها "كانط "هنا ليست مدينة الفضيلة أو العدل أو الخير أو السعادة، إنما هي مدينة السلم أساسا.

السيرة الذاتية لامانويل كانط

سيرته الذاتية

ولد إمانويل كانط في 1724 في كونغسبرغ عاصمة روسيا ذلك الوقت، هي اليوم كيلننغراد في روسيا. كان الرابع من بين أحد عشر ولدا (أربعة منهم بلغوا سن الرشد).

عمد واسمه "Emanuel" وغير اسمه إلى "Immanuel" بعد تعلمه العبرية. في حياته كلها لم يسافر أبداولم يبتعد أكثر من مئة ميل عن كونغسبرغ. والده جوهان جورج كانط (1682-1746) كان صانع أطقم فرس في مدينة ميمل شرق بروسيا (الآن كليبدا في ليتوانيا).

أمه، ريجينا رويتر (1697-1737) ولدت في نورمبرغ. جد كانط هاجر من أسكتلندا إلى شرق روسيا ولم يزل والده يملي اسم عائلتهم "Cant".

في شبابه كان كانط طالبا قويا ولو كان ضعيف البنية. تربي في بيت تقوى (حركة تتبع اللوثرية) تشدد كانط بقوة على الإخلاص الديني والتواضع والتفسير الحرفي للكتاب المقدس. بالتالي تلقى كانط تعليما صارما ـ قاسيا وتأديبيا انضباطيا ـ يؤثر اللاتينية وتعليم الدين على الرياضيات والعلوم.

لحسن حظ كانت الشاب كان فرانز شولتز قس/مربي العائلة ذهل لنضوج كانط المبكر وأقنع العائلة بإرساله إلى مدرسة في الكلية الفردركية حيث كان شولتز رئيسا. هناك قضى كانط ثمان سنوات—ستة أيام أسبوعيا من السابعة صباحا حتى الرابعة مساء—يدرس اللاتينية اليونانية العبرية الفرنسية والرياضيات واللاهوت. بعد تخرجه ثانيا على صفه كان كانط ابن السادسة عشرة سجل في جامعة كونغسبرغ حيث كانت اهتماماته بالفلسفة والعلم اْوقدت البروفسور الخبير مارتن كنوتزن. قضى كانط سبع سنوات في الجامعة لكنه لم يتخرج بسبب ضائقة مالية: توفيت والدته في 1737 وتوفي والده في 1746. ليدعم نفسه كان عليه ترك الكلية ويخدم كمعلم خاص لأطفال الأسر الثرية قريبا من كونغسبرغ. أثناء هذه السنوات كرس وقت فراغه الطويل في الدراسة الذاتية وكتابة أطروحة. في 1755 عاد إلى الجامعة ودافع بنجاح عن الأطروحة وأعطي وظيفة برفاتدوزنت (ملحق مساعد أستاذ) مرتبة متدنية بقليل من البرستيج وبلا راتب إلا رسوم الطلاب. في هذه السنوات المبكرة كان يدرس قرابة ثمانية وعشرين ساعة في الأسبوع في مجموعة واسعة من الموضوعات ضمنها الفلسفة علم أصول التربية/التدريس الرياضيات الفيزياء العلوم الاجتماعية علم المعادن ومفضله الجغرافيا الفيزيائية. بعد فصول كان يستمتع بقراءة الجرائد مع القهوة. في المساء كان يلعب الورق والبلياردو وغالبا يصل بيته بعد منتصف الليل سكرانا كأقل ما يقال. أرغمته الظروف على العيش ببساطة في شقة مفروشة فقط بسرير وطاولة وكرسي، ما عدا صورة ظلية لجان جاك روسو كانت الجدران عارية. ليضيف إلى مدخوله الضئيل عمل كمساعد أمين مكتبة في القلعة الملكية.

طوال ستينات وسبعينات القرن الثامن عشر كان ينشر كتبا ومقالات في العلم والفلسفة والأخلاق والجمال والفلك والمنطق والميتافيزيقا. كان محبوبا بين طلابه ليس فقط لأن محاضراته كانت حيوية لكن أيضا بسبب الملاحظات المرحة الكثير التي يقحمها. أخيرا في 1770 كان أسس كرسي المنطق والميتافيزيقا براتب يمكن أن يعيش عليه. بتنامي شهرته تلقى عروضا من جامعات أخرى بعضها وعدت بأربع أضعاف راتبه. لكن في كل حالة كان رفضه قاطعا، كان لزاما عليه كما كان أن يبقى في مدينة ميلاده. أي تغيير في محيطه المادي بما في ذلك ترتيب الأثاث يجعله غير مستقر. الحكاية التالية فريدة، في الثمانينات (القرن الثامن عشر) طور عادة التحديق خارج النافذة في قبة كنيسة بعيدة حين يعمل أو يتأمل. بعد عدة سنوات نمت أشجار في حديقة جاره وحجبت القبة، بدأ كانط في التململ والقلق ثم وجد أنه غير قادر على العمل. حلت المشكلة حين قام الجار المعجب بالرجل المشهور ووافق بسهولة على تقليم الأشجار المخالفة. كان كانط يرفض السفر، لم ير أبدا جبلا أو بحرا مع أن البلطيق كان مسافة ساعة فقط. ربما كانت هذه الأوصاف ذات صلة بمرض الذاتوية.

أبلغ التأثيرات على تكوين فكر كانط كانت دينية وسياسية وعلمية. تربى على التقاليد البتسية (من الورع) حركة بروتستنتية تؤكد التقوى البسيطة والقبول لحالة المرء في الحياة وعدم الاكتراث للطقوس والعقيدة. سياسيا كان كانط رجلا من عصر التنوير تكلم لأجل حقوق الإنسان وأكد المساواة للرجل ودافع عن الحكومة الممثلة. كان تأثر عميقا في هذه المسائل بالمفكر والمنظر السياسي السويسري-الفرنسي روسو الذي أثار تساؤلات عميقة عن الطبيعة الاجتماعية للأخلاق ومشكلة عاطفة الفرد. في العلم درس أعمال إسحاق نيوتن التي جعلت أساسا لمحاضراته في الفيزياء والفلسفة الطبيعية. في 1755 نشر نظرية التناوب/الدوامة الشهيرة التي تشرح أصل العالم من دوران/تناوب السديم. اليوم هذه النظرية تعرف بفرضية كانط-لبلاس لأنه في 1796 الفلكي الفرنسي بيير-سيمون د.لبلاس نشر نموذجا مشابها مطورا أكثر.

نقد العقل المجرد
نظرية الإدراك الحسي

شرح كانت هذه النظرية في كتاب 1781 المؤثر "نقد العقل المجرد" الذي يستشهد به كثيرا كأهم مجلد للميتافيزيقا ونظرية المعرفة.

فكرة الله

«كان كانت من المؤمنين بالله. إلا أنه يكل الإيمان إلى الضمير ولا يعتمد فيه على البراهين العقلية التي تستمد من ظواهر الطبيعة. فالعقل في مذهب كانت لا يعرف إلا الظواهر الطبيعية Phenomena ولا ينفذ إلى حقائق الأشياء في ذواتها Noumena.» ــ عباس العقاد.

«أين نجد إذا هذا المبدأ المتعالي على التجربة؟ أنجده في الدين والأوامر الإلهية، وهي سلطة خارجة عن العقل؟... إنما نريد مبدأ آخر جديدا يعلو على التجربة ويفوقها، لكنه من جهة أخرى لا يخرج عن العقل ونطاق ذاتيته. ووجد كنت هذا المبدأ، وسماه "الواجب"» ــ عبد الرحمن بدوي.

ذكر كانت الضرورة العملية للاعتقاد بالله في كتابه نقد العقل المجرد. كفكرة للعقل المحض، "ليس لدينا أدنى أساس لنفترض طريقة مطلقة... موضوع هذه الفكرة..." لكنه أضاف أن فكرة الله لا يمكن فصلها عن العلاقة بالسعادة والأخلاق "كمثل أعلى للخير الأسمى". تأسيس هذا الاتصال هو عالم أخلاق معقول و"ضرورة من النظرة العملية"؛ كما قال فولتير: "لو الله ليس موجودا، سيكون ضروريا اختراعه". في "المنطق" 1800 كتب: "لا يستطيع أحد تقديم حقيقة موضوعية لأي فكرة نظرية[4] أو تقديمها عدا فكرة الحرية لأن هذا شرط القانون الأخلاقي الذي حقيقته مسلمة. حقيقة فكرة الله يمكن أن تقدم فقط بطريقة هذه الفكرة، من ثم فقط مع غاية عملية، مثلا التصرف كما لو الله موجود، من ثم فقط لهذه الغاية".

ملاحظات
1.      ^بالألمانية Immanuel Kant وأصل كانت أسكتلندي يكتب Cant

2.      ^هي مزيج فكري في تاريخالفلسفة الحديثة. بدايتها وأساسها قدمه الفيلسوف إيمانويل كانت. في نقاش القضاياوإثارة المشكلات بشكل رئيسي بين أعوام 1781 (صدور نقد العقل المجرد) و1831 (موت هيغل) كانت وفرة منالأنظمة البديلة في قيادة الفكر الفلسفي العميق والشروط الميتافيزيقية العالية
3.      ^ظهرت في القرن التاسع عشروالعشرين وعند المتحدثين الإنجليزية في النصف الثاني من القرن العشرين، تشمل هذهالفلسفة الحركات التالية: المثالية الألمانية، الظاهراتية،الوجودية (ومفكريها السابقين مثلكركغاردونيتشه) التأويلية،البنيوية،مابعد البنيوية، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفرت وعدة فروع أخرى للماركسيةالغربية
4.      ^يعرف كانت المعرفة النظريةبأنها "معرفة ما يكون" أما العملية فهي "تصور ما يجب أن يكون". ــ نقد العقل المجرد

إيمانويل كانت

ولد إيمانويل كنت في كونيجزبرج الألمانية في ( 22إبريل 1724 ) من أصول اسكتلندية كما يحكي هو عن نفسه فهو يخبرنا عن جده أنه «هاجرفي ختام القرن الماضي من اسكتلندا إلى بروسيا، ولا أدري لم».

يعني اسم إيمانويلبالألمانية «الله معنا» مما يشير إلى نشأة دينية. تزوج أبوه يوهان جيورج من آنارويتر وكان إيمانويل رابع أبنائهما الأحد عشر الذين ماتوا في سن مبكرة ولم يتبقمنهم إلا أربعة.

٭ النشأة

كان والد كنت سرّاجا مجتهدا في عمله. أما والدتهآنا رويتر فكانت شديدة التدين حريصة على سماع المواعظ مما دعاها إلى إلحاق إيمانويلبمعهد فردريك الذي بقي فيه لمدة ثماني سنوات قاسية يصفها بقوله «إن الخوف والرعدةيغلبانه حين يتذكر تلك الأيام». توفيت أمه وهو في الثالثة عشرة من العمر فيما توفيوالده حين كان عمره اثنتين وعشرين سنة مما يعني تحمله لجزء من مصاريف أسرته. يفسرالبعض بهذه النشأة القاسية تلك الصرامة والجدية التي كانت إحدى سمات هذا الفيلسوف.



٭ العمر كله للعلم

ذكرنا أن كنت دخل بدفع من أمه معهد فردريك وبقي فيهلمدة ثماني سنوات ثم التحق بعد ذلك بجامعة المدينة «كونيجزبرج» في سبتمبر سنة 1740. تعلم كنت في المعهد الكلاسيكيات الرومانية واستظهر الكثير من نصوص الأدب اللاتينيالشعرية والنثرية. أما في الجامعة فقد حضر دروس مارتن كنتوسن في الفلسفةوالرياضيات، ومحاضرات شولتس في علم أصول الدين ودروس تسكه في الفيزياء. وبسبب ظروفهالمادية ترك الدراسة ليعمل مدرسا خصوصيا عند بعض الأسر الثرية في المدينة وريفهاإلا أنه تابع دراسته في أوقات الفراغ وأعد رسالة الماجستير وأطروحة الدكتوراه سنة 1755 بعنوان «في النار» كما أعد أطروحة ثانية عن «المبادئ الأساسية للمعرفةالميتافيزيقية» سمح له بعد ذلك بأن يحاضر في الجامعة بوصفه «معلماً خاصاً» لا يكافأإلا بالرسوم التي يقرر الطلبة دفعها. استمر على هذا الوضع القلق لمدة خمسة عشر سنةإلى أن خلا كرسي المنطق والميتافيزيقيا فعين فيه سنة 1770 حتى 1796. في سنة 1780أصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأكاديمي وبعد سنوات أصبح عضوا في الملكية للعلوم فيبرلين. وتولى عمادة كلية الآداب خمس مرّات، وكان مديرا للجامعة لفترتين كل فترةسنتان. استمر في عمله في إلقاء المحاضرات في الجامعة وإجراء البحوث والمشاركة فيالمؤتمرات إلى أن بلغ سن الشيخوخة واقتربت حياته من النهاية.

٭ الفقر رفيق الدرب

يمكن لنا القول أن كنت عاش أغلب فترات حياته خصوصابدايتها وفترة الشباب في حال اقتصادية سيئة. فقد ولد كما سلف في عائلة فقيرة وتحملجزءا من مسؤولية الأسرة وهو في العشرين من عمره. كما أنه بقي في الجامعة بدون دخلثابت فقد كان دخله يأتي من خلال ما يدفعه طلابه فقط وقد رفض طلبه الأستاذية في هذهالفترة مرّتين. وظل فقيرا ينتقل من نزل إلى نزل. وقد حاضر في مواضيع متباينة من أجلاجتذاب عدد أكبر من الطلاب. وكان عليه أن يحاضر بلغة واضحة ليتيسر له العيش. ولا بدكما يذكر بعض المؤرخين أن كنت المعلم كان يختلف عنه كمؤلف اشتهر بغموضه وتعسر فهمه.

٭ «كنت» العازب الشهير

شهيرة هي عزوبية «كنت» طوال حياته، تناولهاالباحثون بشكل واسع فمنهم من عزا إليها الصرامة والجدية التي وسمت حياة كنت ومنهممن حاول أن يستنتج منها موقفا لكنت تجاه المرأة. الكثير ينسى أن الفلاسفة العزابليسوا بالقلة نذكر هنا المشاهير أفلاطون وديكارت وليبنيتز وهوبس ولوك وهيوم. ولكنهل كان كنت معرضا لمبدأ الزواج ؟ شهادات عدة محفوظة تثبت أنه لم يكن رافضا لمبدأالزواج بل إنه أحب وعشق وفكر بالاقتران مرتين. يقول أحد أصدقائه «حسبما أعلم»، أبدىكنت عن عزمه الحادّ على الزواج مرتين: في الأولى تعلّق الأمر بأرملة رقيقة جميلةأجنبية (أي ليست من مدينته) كانت تزور أقاربها في «كونيغسبرغ» ولم ينكر كنت أن هذهالسيدة كان يود أن يعيش معها، لكنه فكر في الدخل والتكاليف، فراح يؤجل القرار يوماإثر يوم. ثم إن هذه السيدة الجميلة قامت بزيارة أصدقائها في الجبال وهناك تزوجتبرجل آخر. وفي المرّة الثانية جذبته آنسة جميلة من وستفاليا، كانت مرافقة سفر لسيدةنبيلة لها أملاك في بروسيا الشرقية. واجتمع كنت بالفتاة في اجتماعات، وكانت رقيقةوتحسن القيام بشؤون البيت، وأبدى كنت تعلقه بها، لكنه تردد كثيرا في التقدم إليهابرغبته، حتى أنه فكر في الذهاب إلى زيارتها لما كانت قد غادرت بروسيا ووصلت إلىحدود وستفاليا. ومنذ ذلك الوقت لم يفكر في الزواج.

طبعا كان هذا السؤال يطرح كثيرا على كنت. وحين كان يلقى عليه هذا السؤال، خصوصا في السنوات الأخيرة من حياته، لم يكن يتلقاه بقبول حسن، بل كان يغيّر مجرى الحديث، ويرى أن ذلك إلحاح في تفقد شؤونه الخاصة. كان كنت يستمتع بالحديث والحضور مع المثقفات مع النساء لكنه، وهذا يدعو للتأمل، إذا أرادت امرأة أن تذكّره ب«نقد العقل المحض» كتابه الأشهر أو أن تحدثه في الثورة الفرنسية،وهو موضوع كان يحب الحديث فيه في اجتماعات الرجال، فإنه كان ينصرف عنها.

وقد ورد في إحدى رسائله إلى إحدى النساء حين دعاهاإلى لقائه التالي «وإني أبعث إليك بقبلة، وأرجو أن يكون الهواء متعاطفا، حتى لاتفقد القبلة حرارة عاطفتها». يقول كنت في إحدى إجاباته القليلة عن عدم زواجه وكانقد بلغ الخامسة والسبعين بروح من النكتة «عندما كنت في حاجة إلى زوجة، لم أكن قادراعلى إطعامها، وعندما أصبحت قادرا على إطعام زوجة، لم أعد في حاجة إليها». فهل كانالفقر هو سبب عزوف كنت عن الزواج الذي كان يعرّفه بأنه «ارتباط بين شخصين مختلفيالجنس غايته التملك المتبادل المستديم لخصائصهما الجنسية» والذي جعل شرطا لنجاحه «أن يكون الزوجان مثل شخص معنوي واحد، يحيا ويسلك بفضل عقل الرجل وذوق المرأة».

٭ الفيلسوف والموقف من السياسة

«كنت» هو أحد رموز التنوير الكبار وفي عصر الملكفردريك الثاني (1740 - 6871) ازدهرت أفكار التنوير وأثرت الفلسفة الكنتية في أوساطالمفكرين والأدباء وبعض الأوساط في إدارة الدولة لأن هذا الملك كان مشجعا للعلموالثقافة وحرية الرأي. ولكن بعد تولي ابن أخيه فردريك فلهلم الثاني، العرش في برلين (1786 - 7971) بدأت حملة ضد التنوير وحرية الفكر وانتشرت الرقابة في أرجاء المملكةوكان كنت أبرز من استهدفتهم هذه الحملة وصدر مرسوم ملكي يمنعه من الاستمرار فيالكتابة والنشر (1791) لكنه لم يتوقف عن الكتابة ووصل الأمر بالناشرين إلى رفعالتماس إلى الملك. ولما نشر كنت كتابه «الدين في حدود العقل فقط» سنة 1793 صدر قرارمن مجلس الوزراء مخاطبا الفيلسوف «إنك لا بد تدرك كم أنت مسؤول بوصفك معلما للشبابوأمام واجباتنا وأغراضنا الوطنية المعروفة جدا.

ونرجو من سيادتك الشريفة أن تتحلىبالمسؤولية الواعية، ونأمل منكم - تجنبا لعدم رضانا العالي - ألا ترتكب أمرا من تلكالأمور، بل تستخدم مكانتك وموهبتك ووفقا لما يمليه عليك واجبك - في تحقيق نواياناالوطنية، وإلا فإن استمرارك في هذا الطريق سيؤدي بنا حتما إلى اتخاذ إجراءات غيرمرضية لك». وتحت هذا التهديد المغلف بالاحترام قرر كنت الصمت في ما يخص الموضوعاتالدينية يقول في رد على الرسالة الملكية «إن إنكار واستنكار ما يقتنع به المرء أمرمهين دنيء، لكن السكوت في حالة كهذه هو واجب المحكومين، وحتى لو كان كل ما يقولهالإنسان صحيحا فليس من الواجب أن يصرّح بكل الحقيقة علانية». كان شعار كنت في هذاالموقف كما يقول عبدالرحمن بدوي «لا أقول إلا ما أعتقد أنه الحق ولكنّي لا أصرّح بكل ما أعتقد أنه حق».

٭ كنت والثورة الفرنسية

بدأت الثورة الفرنسية ( 1789 ) وكنت في أوجه الفلسفي وكان موقفه منها معبرا عن حقيقة تقييمه للأحداث السياسية في عصره. واشتدحماسه لها قناعة بمبادئها (الحرية والإخاء والمساواة) رغم أن حماسه قد فتر مع التحولات الدموية التي جرّت الثورة نفسها إليها وراحت تأكل بنيها. إلا أن كنت بقي وفيّا للقيم كان مؤمنا بها مع فلاسفة الثورة فولتير وروسو وديدرو الذين كان متواصلا معهم بشكل كبير، كتب كنت عن الثورة الفرنسية يقول «مثل هذه الظاهرة لا يمكن أنتنسى، إذ هي كشفت في الطبيعة الإنسانية عن استعداد للعمل لما هو أفضل لأن هذاالحادث هو من العظمة ومن الارتباط الوثيق بمصالح الإنسانية ومن سعة التأثير في العالم بكل أجزائه، إلى حد أنه ينبغي أن تذكّر به الشعوب في الظروف المناسبة، وعندالمحاولات الجديدة من هذا النوع».

٭ كنت والدين

عرفنا أن كنت قد نشأ في أسرة متدينة خصوصا والدتهإلا أنه مع تطوّره الفلسفي بدأ في فهم خاص للدين. فقد كان يرى الفصل الكامل بينالفلسفة والدين وبين العلم والدين ويرى أن المشكلات تظهر حين يحاول أحد منهم التدخلفي الآخر وإخضاعه له. وقد رفض كنت جميع أشكال ما سمّي بنصرة الدين للفلسفة أوالعكس، كما أنه رفض القول بلاهوت طبيعي مؤسس على معطيات عقلية. وعنده أن الفلسفة لاتحتاج إلى طقوس ولا تقشف ولا خلوة رهبانية عن طريق إماتة الجسد والزهد ليصل عليهاالوصول إلى الحقيقة. إن قوانين ومبادئ العقل هي التي تكشف للإنسان ما يجب أن يؤمنبه ويسلك بموجبه تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتجاه الكائن الأسمى أيضا، مع الاحتفاظ الكامل بعقلانيته وحريته. كان كنت رافضا بشكل كامل لسلطة رجال الدين. يذكر أنه كان من تقاليد الجامعات الألمانية أن يطوف الأساتذة والإداريون والطلاب في أول يومدراسي «اليوم الأكاديمي» بالمدينة حتى يصلوا في الختام إلى كنيسة الجامعة حيث يصلي الجميع وينالوا بركة رجال الدين. كان كنت يطوف مع الموكب حتى إذا اقترب من الكنيسةانصرف عن الموكب واتجه لبيته.

٭ الجدول اليومي الصارم

اشتهر كنت بجدوله اليومي الصارم ومن المبالغات فيهذا الشأن أن جيرانه كانوا يضبطون ساعاتهم على خروجه للمشي يوميا في الساعة الرابعةوالنصف عصرا مرتديا معطفه الرمادي وعصاه في يده. يذكر أنه لم يتأخر عن هذه النزهةإلا مرّة واحدة بسبب قراءته لرواية «إميل» للفرنسي جان جاك روسو ولا يزال الشارعالذي كان يسير فيه يسمى «نزهة الفيلسوف». كان يستيقظ يوميا في الخامسة صباحا ويذكرعن نفسه أن لم يستغرق في النوم لما بعد الخامسة على مدى ثلاثين عاما، يبدأ يومهبشرب القهوة، فالكتابة، فالمحاضرة فالغداء ثم الخروج للنزهة والمشي. كما أنه كانيخلد للنوم في العاشرة مساء. وبسبب اعتلال صحته أنه كان لا يتنفس إلا من أنفه فيالبرد ولذا لم يكن يسمح لأحد بالحديث معه أثناء نزهته اليومية في فصول الشتاءوالخريف والربيع، إذ سيضطره الكلام إلى التنفس من فمه. وكان يقول: الصمت خير منالمرض. ويذكر ديورانت أنه طبق الفلسفة حتى على ربط جواربه، فكان له طريقة خاصة فيربطها برباط يمر بجيوب بنطلونه. وكان يفكر في كل شيء تفكيرا طويلا قبل أن يقدمعليه.

٭ نهاية الرحلة واستمرارالفلسفة

في 8- 10 - 1803 أصابت كنت نوبة قلبية فلازم الفراشطيلة أربعة أيام ثم نهض وكان يتناول الطعام مع زائريه. لكن قوته بدأت تتلاشى وفيالساعة العاشرة من صباح 12- 2- 1804 سمعه أحد تلامذته يهمس بآخر كلماته «حسن» وأغمضعينيه. يقول مرافقه «كان موته توقفا للحياة، لا فعلا عنيفا للطبيعة» وودعت مدينةوجامعة كونيغسبرغ فيلسوفها في مأتم مهيب، ودفن في «قبو الأساتذة» في مقبرة الجامعة دون أية مراسم دينية، وبعد أن نقل رفاته مرارا بسبب تقلّب الأحوال أنشئ له ضريح فيسنة 1924 بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاده ونقشت عليه العبارة الشهيرة منخاتمة كتابه «نقد العقل العملي»: «شيئان يملآن الوجدان بإجلال وإعجاب يتجددانويزدادان على الدوام كلما أمعن التأمل فيهما: السماء ذات النجوم من فوقي والقانونالأخلاقي في صدري». يقول ديورانت عن كنت «هذا الفيلسوف الضئيل الحجم الذي لم يتجاوزالخمسة أقدام في طوله، والذي امتاز بالاعتدال والانطواء على نفسه، كان يحمل في رأسهأعظم ثورة في الفلسفة الحديثة». فيما يصفه عبدالرحمن بدوي في موسوعة الفلاسفةب«أعظم فلاسفة العصر الحديث».
  

القران الكريم

المتواجدون الآن

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م